يوسف البستنجي (أبوظبي)

عكست أسعار الفائدة المصرفية في السوق المحلية اتجاهها التصاعدي لتعود نحو الانخفاض منذ بداية العام الجاري 2019، ما يتوقع أن يؤدي لتخفيض قيمة الأقساط الشهرية طويلة الأمد التي شهدت زيادات في الفائدة خلال الاثني عشر شهرا الماضية، لغالبية المقترضين بالسوق المحلي ، وذلك اعتباراً من الشهر المقبل، لاسيما لفئة المقترضين للتمويل العقاري أو السكن، الذين ترتبط عقودهم بأسعار فائدة متغيرة بحسب أسعار «الايبور» الصادرة عن مصرف الإمارات المركزي وبيانات أسواق المال العالمية.
ويعتبر سعر الفائدة على التعاملات بالدرهم بين البنوك بالدولة «الايبور» هو سعر الأساس المعتمد في معادلة بناء سعر الفائدة على القروض والتمويلات طويلة الأجل، لدى غالبية البنوك المحلية، ولذلك يرتفع سعر الفائدة على القروض القائمة في حال ارتفاع سعر «الايبور» كما حصل خلال العامين الماضيين، ويفترض أن ينخفض في حال تراجع هذا السعر في الفترة المقبلة.
وتعتمد عملية تغيير سعر الفائدة على القروض القائمة على طبيعة العقد بين البنك والعميل، فإذا كانت الفائدة ثابتة لا تتغير في أي حال من الأحوال، وأما إذا كانت متغيرة فإنها ترتفع أو تنخفض وفقا للتغيير في سعر «الايبور»، ولذا فإن العملاء الذين زادت البنوك قيمة أقساطهم الشهرية خلال الفترة الماضية بناء على الارتفاع في سعر الفائدة بين البنوك، سيكون من حقهم الحصول على خفض في قيمة القسط الشهري تتناسب مع الانخفاض في سعر الفائدة ذاتها.
وتظهر بيانات مصرف الإمارات المركزي أن سعر «الايبور» لأجل سنة انخفض منذ مطلع العام الجاري بنحو 32 نقطة أساس ليستقر عند 3.32% أمس، مقارنة مع 3.64% مطلع شهر يناير 2019، بعد أن كان هذا الأجل ارتفع بأكثر من 120 نقطة أساس خلال عام 2018، كما انخفض السعر لأجل 6 أشهر بنحو 11 نقطة أساس ليستقر عند 3.09% خلال نفس فترة المقارنة، وكذلك انخفض لأجل 3 أشهر بنحو 6 نقاط أساس فقط ليستقر عند 2.87%.
يشار إلى أن الانخفاض في مستوى «الايبور» سجل وتيرة من الانخفاض أبطأ من وتيرة انخفاض «الليبور» في الأسواق العالمية خلال نفس الفترة، رغم الارتباط بين العملتين الدرهم والدولار، حيث انخفض «الليبور» لأجل 6 أشهر بنحو 18 نقطة ولأجل 3 أشهر بنحو 16 نقطة، الأمر الذي يشير إلى أن أسعار الفائدة على التعاملات بالدرهم بين البنوك في السوق المحلية ستسجل انخفاضا أكبر خلال الفترة القصيرة المقبلة.
ووفقاً لبيانات المصرف المركزي، بلغ الرصيد التراكمي للائتمان المصرفي الممنوح لقطاعي العقار والإنشاءات في الدولة نحو 315.4 مليار درهم بنهاية ديسمبر الماضي، وتتوزع محفظة التمويل على القطاعين بواقع 243.6 مليار درهم للقطاع العقاري ونحو 71.8 مليار درهم مقدمة لقطاع الإنشاءات حتى نهاية 2018، ووفقا لآليات تسعير الفائدة في السوق المحلية المعمول بها لدى غالبية البنوك، يتوقع أن تتأثر غالبية المقترضين في هذا القطاع بالتغيير الذي يطرأ على أسعار «الايبور».

نوعية الاتفاقية
وقال شارل دوغلاس رئيس قطاع الأعمال في المصرف العربي للاستثمار والتجارة الخارجية «المصرف» إن سعر الفائدة على القروض والتسهيلات المصرفية محكوم بنوعية الاتفاقية بين البنك والعميل، وبناء على ذلك يتم تحديد آلية احتساب السعر، فإذا كانت أسعار الفائدة ثابتة، فهي لاتتغير في حال ارتفاع أو انخفاض سعر «الايبور»، أما إذا كانت اتفاقية التمويل تعتمد على سعر «الايبور» كأساس لمعادلة التسعير، فإنها تتغير وفقا لسعر السوق، ارتفاعا أو انخفاضا، وفي حال انخفض سعر «الايبور» فإن هذا الانخفاض سينعكس على التزامات هؤلاء العملاء المقترضين بناء على السعر الجديد، ولذا ستنخفض أقساطهم الشهرية، وفقا لنفس الآلية التي كانت قد أدت إلى ارتفاع القسط الشهري عندما ارتفع السعر.
وأوضح دوغلاس أن معظم القروض الشخصية لدى القطاع المصرفي بالدولة تقدم بناء على سعر فائدة ثابت لا يتغير، وغالبا مدتها لا تتعدى 4 أو 5 سنوات، لكن في حال التمويل العقاري والقروض الممنوحة لتمويل السكن، فإنها تصل أحيانا لمدة 25 سنة، وهذه النوعية من القروض تتغير سعر الفائدة عليها وفقا لسعر «الايبور» إلا إذا كانت اتفاقية التمويل مع العميل تنص على غير ذلك.

انخفاض تدريجي
إلى ذلك، قال محمد علي ياسين الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في شركة الظبي كابيتال، إن سعر «الايبور» مرتبط بسعر «الليبور» أي «الفائدة على التعاملات بين البنوك بالدولار الأميركي» نتيجة الربط بين الدرهم والدولار، ولذا فإن ارتفاع الفائدة على الدولار يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الفائدة على الدرهم.
وأوضح ياسين أن التوقعات في الأسواق العالمية، تستبعد أن يلجأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع متكرر لأسعار الفائدة خلال العام الجاري 2019، لافتا إلى أنه من المتوقع أن يرتفع السعر لمرة واحدة، خلال النصف الثاني من العام، ولذا فإن الفائدة بدأت تتجه نحو الانخفاض تدريجيا، لكنها لن تسجل وتيرة انخفاض كبيرة خلال العام الجاري، وعلى الأغلب ستكون مستقرة وإن كانت تميل نحو الانخفاض الطفيف، لكن المهم أن وتيرة رفع سعر الفائدة لدى «الفيدرالي الأميركي» التي شهدناها منذ منتصف عام 2017 يبدو أنها توقفت إلى حد بعيد.
وتوقع ياسين أن تبدأ آثار انخفاض أسعار الفائدة بالظهور في أواخر مارس 2019، حينها يمكن أن تقوم البنوك بتخفيض الأقساط الشهرية للمقترضين بناء على السعر الجديد، ولكنه أوضح أن هذا الانخفاض سيظل غالبا طفيفا، في حين يتوقع أن تكون هناك نتائج واضحة وأكثر تأثيرا في عام 2020، عندما تبدأ أسعار الفائدة العالمية على الدولار بالانخفاض.
وتوقع أن يؤدي تخفيض الأقساط إلى ارتفاع نسبي في الإنفاق، ومن ثم زيادة في الطلب في السوق المحلية على الخدمات والسلع.

سياستان مختلفتان
وقال نزار عريضي الخبير في الشؤون الاستراتيجية الدولية لدى شركة آي دي إس سكيورتيز بأبوظبي، إن عدة عوامل تؤثر على أسعار الفائدة في الأسواق العالمية، منها التضخم ومستويات الأجور وغيرها، مبينا أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يتبنى سياستين مختلفتين، أولاهما أنه يأخذ بالاعتبار توجهات الإدارة الأميركية والرئيس ترامب الذي يسعى لتخفيض سعر الفائدة، وثانيهما أنه لابد أن يأخذ بالاعتبار التطورات الاقتصادية، وخاصة مؤشرات أسعار التضخم، والأجور وغيرها.
وبين العريضي أنه في الوقت الذي أصبح فيه معدل التضخم ضمن الحدود التي يستهدفها مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، والتي بلغت نحو 1.55% خلال شهر يناير 2019 على أساس سنوي، ونحو 0.2% على أساس شهري، فإنها تعتبر ضمن الحدود الآمنة التي تتراوح بين 1.5% إلى 2%، لكن الأجور ارتفعت بشكل كبير خلال عام 2018، ولذا فإن الظروف الاقتصادية مناسبة لرفع سعر الفائدة على الدولار الأميركي، لكن التوقعات تشير إلى أنه لن يرفع سعر الفائدة حاليا، خاصة أن معظم البنوك المركزية في العالم للدول التي ترتبط عملاتها بالدولار تسعى لتخفيض السعر من أجل دعم النمو في بلدانها.
وقال: إنه من غير المتوقع أن يقدم مجلس الاحتياطي الأميركي على رفع سعر الفائدة خلال العام الجاري لأكثر من مرة واحدة، وقد يضطر لفعل ذلك إذا رأى أن معدل التضخم يقترب من 2% وأن وتيرة النمو سريعة.